اهل البیت علیهم السلام فى المصر

مقدمة المركز

بسم اللَّه الرحمن الرحیم

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً)

الأحزاب: 33

مع الزیادة المستمرّة فى تألیف الكتب التى تصدح بمناقب وسیرة أهل بیت النبى الأكرم (ص)، المستندة إلى المصادر والوثائق المختلفة والمحفوظة فى خزانات متعددة، ومع النموّ الكمّى للعناوین والموضوعات والزوایا التى تتصل بالحدیث عن تاریخ العترة الطاهرة وأبنائهم الطیّبین، المنتشرین فى بقاع عدّة من بلاد الإسلام العریضة، إمّا خوفاً من ظالم، أو هجرةً لعیش أفضل، أو طلباً للعلم والحكمة، أو نشراً لتعالیم دین جدّهم الأكرم (ص)، أو نفیاً وإبعاداً من قبل السلطات ...، فمهما تعدّدت الأسباب للسفر إلى تلك البقاع البعیدة عن مدینة جدّهم، وعن عشیرتهم وأهلیهم، فالهدف یبقى سامیاً، ویتلخّص بنشر الاصول الأخلاقیة والمعنویة والدینیة فى الأمة من ناحیة، والدفاع عن حیاض الدین القویم- كتاباً وسنّةً- بقمع الشبهات والأوهام التى یحاول الأعداء نسجها فى عقول العوام من ناحیة ثانیة، وحلّ المشاكل التى تهمّ الناس والهموم التى تعانى منها شعوب هذه الأمة وتقدیم المعونة لهم من ناحیة ثالثة.

نقول: إنّه مع الزیادة فى هذه التراكمات الموضوعیة على هذا الصعید، بدأت الفكرة تلحّ فى أذهان البعض من الوسط الثقافى الإسلامى إلى تصنیف معجم یضمّ كلّ ما أُلِّف وكتب فى أهل البیت (ع)، ویبدى اهتماماً كبیراً فى الكشف عن أبرز العناوین التى تصدّت بالحدیث عن سیرة وتاریخ وشخصیات هذا البیت العتیق.

ولعلّ كتاب «أهل البیت فى المكتبة العربیة» من آثار المحقّق المتتبع المرحوم السید عبدالعزیز الطباطبائى، من أروع ما صنّف على هذا الصعید، حیث عرض لعناوین الكتب والرسائل المؤلّفة فى حبّ وسیرة وتاریخ أهل البیت (ع)، والمنسوبة للمتقدّمین والمتأخّرین، وحسب الحروف الألفبائیة، مع ذكر النسخ المتعدّدة لها، وأماكن وجودها فى خزانات مكتبات العالم كلّه.

لكن الأستاذ حجة الإسلام والمسلمین السید هادى الخسروشاهى حفظه اللَّه قد قام بمبادرة جدیدة تجدر الثناء علیها وتقدیرها، حیث أحضر كل ما كتب عن أهل البیت (ع) المدفونین بمصر، من الأبناء والأحفاد الأشراف من ولد على بن أبى طالب وبناته، والتى تشهد أضرحتهم أرض الكنانة، وتشمخ مآذنهم سماء القاهرة، واقتطف منها ما یراه مناسباً للحدیث عن الشخصیة الشریفة، وموضع دفنها، وأبرز ما قیل فیها، وبأقلام متعددة، بعیدة عن كل ما یمسّ المشاعر المذهبیة، ویعكّر صفو النفوس النبیلة.

إنّنا نجد لزاماً علینا- من واقع خبرتنا فى التقریب- أن نثمّن جهد السید المعدّ، لأنّ من شأنها أن تسهم فى توثیق الروابط المقدّسة بین الأمة وأبناء هذا البیت الشریف من جانب، وفى تمتین أواصر الوحدة بین شعوب الأمة الإسلامیة عبر الارتكاز على محور أهل بیت النبوة ومعدن الرسالة من جانب آخر، ویقیناً أنّ كلّ نجاح نحقّقه فى هذا المیدان- من طبع الكتب بعد تحقیقها وتوثیقها- سوف یصبّ بالضرورة فى تجاه تحقیق التقارب والترابط بین أطراف المسلمین كافة.

ومن هنا فحبذّا لو تلتقى جهود كلّ العاملین والمصلحین مع جهود المؤسّسات والمراكز والهیئات الثقافیة الإسلامیة التى تعنى بشأن التقریب والوحدة، وعلى رأسها المجمع العالمى للتقریب بین المذاهب الإسلامیة الأغرّ، عبر مركزه العلمى المبارك، من أجل إرساء أعمدة الأخوّة والمحبة والوداد بین أفراد المسلمین، ورفع رایة التوحید عالیاً، والتكاتف ضد كلّ الهجمات الشرسة التى یشنّها الأعداء ضدّ هذا الدین، وهذه الأُمة المرحومة.

كما أنّنا نقدّم شكرنا وتقدیرنا للمحقّق الكریم الأخ الفاضل شوقى شالباف (شوقى محمد) الذى بذل جهداً حثیثاً فى سبیل توثیق وتصحیح الموارد المدرجة فى طیّ هذا السفر الشریف، وما قام به من تعلیقات رآها ضروریة لتدوینها، فشكر اللَّه سعیه، ووفّقه للمزید من الأعمال التى تخدم الدین والرسالة، إنّه ولیّ التوفیق.

مركز التحقیقات والدراسات العلمیة

التابع للمجمع العالمى للتقریب بین المذاهب الإسلامیة

كلمة المحقّق

بسم اللَّه الرحمن الرحیم

والحمد للَّه ربّ العالمین، والصلاة والسلام على نبى الهدى محمد (ص) وعلى أهل بیته الطیّبین الطاهرین وعلى صحبه المنتجبین المخلصین.

وبعد، فإنّ اللَّه قد تفضّل علیّ وأكرمنی بأن أتاح لی الفرصة أن أقوم بتحقیق هذا الكتاب الذى أراه «موسوعة» منوّعة تحكى حیاة وسیرة بعض أهل البیت (ع) ممّن نزلوا مصر الكنانة وتوفّوا بین أهالیها.

والحدیث عن أهل البیت (ع) حدیث طویل ومتفرّع، لأنّه یتصل بكلّ جانب من جوانب حیاة الأُمة الإسلامیة بكلّ تفاصیلها وتاریخها. ولذا فإنّنى أعجز عن أن أروى جانباً واحداً فكیف بالباقى؟!

لكن استمیح القارئ عذراً لو اقتطعت من وقته لأقول كلمة مختصرة وهادفة فى مسألة سرّ تهافت الناس إلى صوب أهل بیت على وأحفادهم: نسائهم ورجالهم، صغیرهم وكبیرهم رغم وجود البیوتات الأخرى من آل أبى طالب؟! ولِمَ هذا التقدیس العظیم لأحفاد فاطمة دون غیرها من بنات رسول اللَّه (ص)؟

فهل اكتسبوا هذه الحفاوة والاحترام والتقدیس لكونهم من أبناء النبى (ص) فحسب، أم أنّهم رافقوا شرف نسبهم بمناقب أخرى ؟

فصحیح أنّ لأبناء على (ع) شأوناً كبیراً، وصحیح أنّ أحداً غیرهم عجز أن یبلغ ما بلغوه من سموّ ورفعة، وجلالة وتقدیر جماهیرى واسع، ولكن الصحیح أیضاً أنّهم لم یدركوا هذا المقام السامى إلّابتوافرهم على الورع والتقوى ، والعلم والشجاعة والخلق الحمید!

فهم لم یكتسبوا تقدیس الناس وتجلیلهم بسبب نسبهم الشریف فحسب، بل بما بذلوه من جهود فى ترویض نفوسهم، وتهذیبها من كلّ علائق الدنیا الدنیة.

إذ هم یجالسون العلماء والحكّام، یقعدون مع الفقراء ویأكلون مع المساكین أیضاً. وإذ هم یهدون الناس إلى النور، ویمسحون عنهم غبار الجهل، تراهم یمدّون المحتاجین بما یقدرون علیه، ولم یحتفظوا لأنفسهم شیئاً سوى القلیل! وهكذا برزوا مصادیق حیّة للشریعة المعطاءة، ومشاعل نیّرة تضى ء درب المحرومین.

والتاریخ خیر شاهد على ذلك، حیث یؤكّد على الدور الكبیر الذى لعبه أبناء على فى نشر مفاهیم الدین الصحیحة فى ربوع الأرض الإسلامیة، وترویج الثقافة السلیمة حیثما حلّوا، وأینما نزلوا.

ولیس هذا الكلام ینطبق على الأجداد العظام الذین ضمّوا جملة معانٍ رفیعة فى أدقّ تفاصیل حیاتهم، وجسّدوا أوامر الشریعة، بل ینسحب إلى أبنائهم وأحفادهم، فضلًا عن حواریّهم وتلامیذهم، حتّى صاروا یمثّلونهم فى المحافل المختلفة.

وإذا ما تأمّلت الأمة مواقف الأحفاد- فضلًا عن الأبناء- تجده امتداداً حقیقیاً لسلوك ومواقف جدّهم الأعلى : على بن أبى طالب (ع) الذى كان یعدّ أحد أبرز وأعظم وأهمّ تلامیذ وحواریّى الرسول الأكرم (ص)، وبالتالى سوف تعود الأمة إلى وعیها الذى كادت تفقده، وترجع إلى تراثها الذى أهملته، فتستمدّ منه أروع الدروس والعبر من أجل بناء حیاة أفضل لأجیالها المتلاحقة.

مدرسة وثقافة تقریبیة

إنّ من یطالع سیرة أیّ فرد من أفراد هذا البیت الشریف، وفی أیّ بقعة من بقاع الدنیاعاش، یجده مدرسةً بحدّ ذاته، ونبع بركة یفور منه الخیر والصلاح والخُلق الكریم، سواء كان فى الجزیرة العربیة أو فى العراق أو مصر أو المغرب أو ...

فحاله هو هو، وسلوكه هو هو، لاتمنعه العقبات الجغرافیة عن تقدیم المعونة للآخرین، ولاتصدّه الحواجز النفسیة: قطریة أو قومیة وما شاكل عن المساهمة فى مساعدة الناس.

أى أنّهم قد جسّدوا الثقافة التقریبیة فى سلوكهم الیومى، وبالتالى خطوا الخطوة الأولى نحو الوحدة والتقریب بین أطراف المسلمین.

لقد ساهموا بأفعالهم وأقوالهم فى إنشاء تیار من الوعى التقریبى الصحیح للأجیال المتعاقبة، من خلال تعریف الرسالة الإسلامیة وصاحبها بالصورة الصحیحة، وتوجیه مشاعر المسلمین فى غرب البلاد وشرقها باتجاه كتابهم الكریم، وتمتین العلاقات والوشائج فیما بینهم، ورفض كل الحواجز المصطنعة بینهم.

وهذا ما دعا إلى تهافت الناس: عالمهم وجاهلهم، كبیرهم وصغیرهم، أبیضهم وأسودهم، إلى الالتفات حول مشاهدهم المشرّفة، وتقبیل أضرحتهم، ولثم صفحات قبورهم، وتلاوة الأدعیة والزیارات المأثورة لأرواحهم، لیترجموا وفاءهم وحبّهم لهم.

ولیس هذا فحسب، بل تبارى العلماء والمفكّرون، والأدباء والمثقّفون فى الكتابة عنهم، والثناء علیهم من خلال سرد سیرتهم الحسنة، وتحلیل مواقفهم، بالتألیف تارة وبالتدریس أخرى .

فقد أُلّفت عشرات الكتب التى تحكى فضائلهم، وتتحدّث عن مناقبهم الشریفة. فكما صنّف ابن خالویه (370 ه) وهو إمام اللغة والنحو، وابن أبى حاتم الرازى (327 ه) وهو إمام فى الرجال، وهكذا ابن حجر (973 ه)، وابن الفحام الفقیه المعروف (458 ه)، وابن جریر الطبرى (310 ه) وهو إمام فى الحدیث والتاریخ، وهكذا جلال الدین السیوطى (911 ه) والسخاوى الحافظ (902 ه)، والفخر الرازى (606 ه) وهو إمام فى التفسیر، كذلك صنّف القاضى الجعابى (355 ه)، والسبط ابن الجوزى (654 ه) ...، وابن الطیب المغربى الفاسى (1187 ه) فى منظومته المسمّاة «الدرّة الفریدة فى العترة المجیدة».

ولم ینقطع هذا الاهتمام عند الكتّاب المسلمین وأدبائهم الأوائل، بل امتد حتّى عند المعاصرین، شعوراً منهم بمسؤولیة المساهمة فى هذا الاندفاع العارم باتجاه التعریف بأفراد وسیرة ومناقب هذا البیت الشریف، ممّا یدلّل على دوام تمسّك واعتزاز هذه الأمة بذرّیة النبى الأكرم (ص).

هذا الكتاب

وهذا الكتاب یعدّ إحدى المحاولات الجدیرة بالتقدیر فى هذا السیاق، إذ فضلًا عن كونها مبادرة هادفة ترمى إلى التعریف بمنازل أبناء على فى مصر الكنانة، فهو یمثّل مشروعاً ینهض بمستوى الوعى الثقافى والتقریبى لدى المسلمین، ویدفعها إلى المزید من التطوّر.

كما أنّه یقوم بتأسیس أشبه ما یكون بمنتدىً ثقافى وتاریخى فى الوسط العربى الإسلامى، یحاول من خلاله الأستاذ الحجّة السید هادى الخسروشاهى التعریف بشخصیات من آل على (ع) قد نزلوا مصر الكنانة، وعاشوا وسط أهلها، ثم بیان منزلتهم وجلالتهم، ومحاولة تحدید تاریخ مدفنهم، ومواضع أضرحتهم، وغیر ذلك ...

عبر جمع مقاطع من الكتب التى أُلّفت بهذا الصدد.

فإضافة إلى سعیه إلى نشر الثقافة الإسلامیة عبر التعریف لرموزها الكریمة، وتأسیس مناخات ملائمة تزید من تمسّك الناس بدینهم ورسالتهم المقدّسة، فهو یخطو خطوةً هامةً بما یمتلك من صبر وموهبة، وحكم موقعه وعلاقاته بدار التقریب الشریفة بالقاهرة، نحو تجذیر الوعى التقریبى لدى المسلمین فى الشمال الأفریقى، وتعزیز النظرة التجلیلیة إلى مكانة ودور أهل البیت (ع) العلمى والأخلاقى والإصلاحى فى ذلك الجزء من العالم الإسلامى.

إنّ هذا المشروع الموضوعى- على بساطته- خلیق بأن ینال الحظوة من التقدیر من قبل الآخرین، والاقتداء به لإنشاء مشاریع أخرى على وتیرته، كأن یكون: أهل البیت فى المغرب أو تونس أو العراق أو ایران أو ... فهذا الكتاب ربّما أضحى أساساً لما بعده من تألیفات جامعة فى هذا الموضوع.

إنّنا بحاجة إلى دراسة التاریخ من زاویة أخرى ، وحاجتنا أشدّ إلى التعرّف على شخصیات البیت النبوى، وعلمائهم الأشراف، والوجوه التى ساهمت فى تثبیت الدین ونشر علومه فى كافة بقاع العالم.

فأمر رائع حقّاً أن نساهم جمیعاً فى تعریف شخصیات البیت الشریف، أینما كانت مشاهدهم، والأروع منه أن نلغى كلّ الحواجز المصطنعة فیما بیننا، ونلتقى معاً، وبقلب واحد ینبض بحبّ أبناء وأحفاد بیت الرسالة لنشكّل منعطفاً إسلامیاً واحداً، ونواجه أعدائنا بقوة، مستمدّین منهم أروع الدروس والعبر من أجل بناء حیاة أفضل ووداد دائم.

فمن أجدر من مثقّفى هذه الأمة ومفكّریها لأن یكونوا أمثلة حقیقیة لكلّ معانى السموّ الإسلامى، ومن أجدر منهم لأن یفهم رموز هذه المعانى؟

وباختصار شدید، فقد قام هذا السید الجلیل بإنجاز كبیر على الصعید الثقافى، أراد منه تجذیر الوعى التاریخى والتقریبى للأمة، ولاسیّما بین محبّى وعشاق آل بیت محمد (ص)، وجذب الاهتمام بمشاهدهم الشریفة، والقیام بمسؤولیة الحفاظ على الإرث النبوى والعنایة به، كما صرّح به فى خاتمته، فجزاه اللَّه جزاء المحسنین، وبلّغه شفاعة النبى (ص) وأهل بیته المكرمین.

ولابدّ من الإشارة إلى قیمة هذا الكتاب فى إطار تقریبى وتاریخى، إذ یمكن أن یعدّ مصدراً مهمّاً جامعاً یقدّم للباحثین ما یحتاجونه فیما یتعلّق بآل على فى مصر الكنانة، ودلیلًا مختصراً لمشاهد الأشراف فى القاهرة لمن أراد زیارة أضرحتهم المقدّسة. ولذا وقع الاختیار على هذا الكتاب لتحقیقه وتوثیقه، وطبعه بحلّة جدیدة، بمعونة وإشراف مركز التحقیقات والدراسات العلمیة التابع لمجمع التقریب بین المذاهب الإسلامیة.

وختاماً لایسعنى إلّاأن أتوجّه بالشكر والامتنان لمركز التحقیقات والدراسات هذا لتبنّیه نشر الكتب التى تعنى بالفكر الوحدوى المشرق، وتخدم أهداف التقریب المباركة، بغضّ النظر عن كون أصحاب هذه الكتب من الشیعة أو أهل السنّة.

نسأل البارى عزّ وجلّ أن یوفّق العاملین فى هذا المركز، من مسؤول ومدراء أقسام علمیة وفنیة وإداریة، ویزید من ألطافه لخدمة الدین، وتوحید صفوف أتباعه، وغرس المحبّة والإخاء بینهم، إنّه سمیع علیم.

والحمد للَّه ربّ العالمین.

شوقى محمد

25 ذو القعدة 1426 ه- 28/ كانون الأول 2005 م

المقدّمة

لطالما راودنى حبّ الاطّلاع أن أقف بنفسى على معالم الحبّ والودّ الذى یكنّه شعب مصر لأهل البیت (ع)، خصوصاً وأنّ وشائج تاریخیة عریقة ربطت بین الشعبین المسلمین فى إیران ومصر ألقت بظلالها على المشاعر والعلاقات بینهما، ممّا جعلهما- وفى مقدّمتهم العلماء والمثقّفون منهما- یستشرفون التطلّعات الثقافیة فى كلا البلدین، ویتبادلون الرؤى والأفكار المتجدّدة فى حركتیهما العلمیة والثقافیة رغم الحواجز والموانع التى حاول أعداء الإسلام والمسلمین وضعها لعرقلة هذا التواصل والتناصر.

وهكذا تحقّقت الأُمنیة، فحططت رحالى فى مصر، وكانت أُولى محطّاتى هى القاهرة عاصمة مصر الكنانة، ورحت أجول بقلب شَغُوف، وعقلیة ثقافیة تاریخیة یقظة واعیة، أجواء القاهرة وغیرها من الحواضر المصریة العریقة، فأدهشنى ما رأیت من ظواهر فاقت تصوّرى الأوّلى عن مدى وعمق الحبّ والودّ الذى یحمله مسلمو مصر لأهل البیت (ع)، حتّى شعرت وأنا فى وسط تلك الظواهر الولائیة كأنّنى فى إیران أو العراق، حیث ألفنا المراسم والشعائر المتعارفة فى إحیاء ذكرى أهل البیت (ع) ومدحهم أو رثائهم، فكان ممّا وقع نظرى علیه وأدهشنى هو الأفواج الضخمة من المسلمین المصریّین الذین یتوافدون- لیل نهار- لزیارة مساجد ومقامات أهل البیت (ع) فى القاهرة؛ للدعاء والصلاة والذكر فیها.

وقد كرّس هذا الودّ والحبّ لأهل البیت (ع) فى مصر وجود مقامات مشرّفة متعدّدة منها: مسجد الإمام الحسین بن على بن أبى طالب (ع)، ومقام رأسه الشریف الذى قد دُفن فیه، ومسجد ومرقد السیدة زینب ابنة الإمام على بن أبى طالب (ع)، حیث یعتقد المؤرّخون بأنّها دُفنت فیه، ومسجد ومرقد السیدة نفیسة ابنة زید بن الحسن بن على ابن الإمام الحسن المجتبى (ع)، وزوجة السید إسحاق ابن الإمام الصادق (ع) التى رافقته إلى مصر وماتت ودُفنت فیها.

ومن الآثار المتمیّزة فیها: وجود لوحة جمیلة تزیّن أحد أبواب حرم السیدة نفیسة، مكتوب علیها فقرة من دعاء «الافتتاح» الشهیر، المنقول عن الإمام المهدى (ع)، وهى «اللّهم إنّا نرغب إلیك فى دولةٍ كریمةٍ، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله ...» كما أنّ هناك مجموعة أُخرى من الألواح النفیسة داخل الحرم، تتضمّن مقاطع من ذكر ومدح أهل البیت (ع).

وینقل المؤرّخون كرامات كثیرة، ودعوات مستجابة لهذه المراقد الشریفة.

ومن المشاهد التى أثارت دهشتى: الاحتفال الجماهیرى الضخم بمناسبة مولد الإمام الحسین (ع)، وحین تواجدى فى مصر تلقّیت دعوة من شیخ الطریقة العزمیة- وهى إحدى الطرق الصوفیة فى مصر- لحضور مراسم إحیاء ذكرى مولد سبط النبى (ص) الإمام الحسین (ع) الذى أُقیم فى جوار المسجد الحسینى، ولبّیت الدعوة بشوقٍ، وقصدت السرادق الخاصّ المعدّ للضیوف، ففوجئت بالسیل البشرى من المسلمین المصریّین- والذى قدّرته الصحف المصریة آنذاك بحوالى ملیونى نسمة- كانوا قد توافدوا من القاهرة، ومن مختلف المدن المصریة القریبة منها والبعیدة؛ للمشاركة فى إحیاء هذه الذكرى الإسلامیة الكبرى .

وقد راعنى أنّنى لم أر قط مثل هذا العدد من المشاركین فى أیّ مكانٍ آخر، حیث كانت جمیع الشوارع المؤدّیة إلى مسجد سیدنا الحسین (ع) مزدحمة بالوافدین، وقد أُغلقت كلّها بوجه مرور السیارات ووسائل النقل المختلفة، ولایجد أحد قدرة على الحركة إلّابشقّ الأنفس، ولم یكن لنا سبیل إلّاالسیر بعناء على الأقدام مسافة كبیرة جداً وسط هذه الكتل البشریة حتّى وصلنا إلى المسجد، إلّاأنّنا وبسبب الزحام الشدید، وعدم إمكانیة الوصول إلى المكان المخصّص للضیوف الذى أقامته العشرات من مشیخات الطرق الصوفیة المحبّة لأهل البیت (ع)، اضطررنا- أنا والإخوة أعضاء سفارة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فى القاهرة- إلى مغادرة المكان بعد لحظات من وصولنا.

وقد یتسائل سائل عن السرّ فى عراقة هذه المودّة الراسخة والحبّ الشغوف لآل البیت (ع) عند شعب مصر، والذى سبق فى عمقه التاریخى عهد الدولة الفاطمیة، ولعلّنا نجد الجواب عندما نقلّب وریقات التاریخ الإسلامى المدوّن، فنجد أنّ هذا الودّ والحبّ لآل البیت (ع) قد نما وترعرع منذ صدر الإسلام، حین فتح الجیش الإسلامى الظافر بلاد مصر، وكان الروّاد الأوائل بهذا الفتح مجموعة من كبار صحابة الرسول (ص)، وخواص أمیر المؤمنین على بن أبى طالب (ع)، والدُعاة إلى حبّه وولایته، والمجاهرین بموقعه ومواقع أهل بیته (ع) من الرسول (ص) والرسالة، وعلى رأسهم: أبو ذرّ الغفارى والمقداد بن الأسود الكندى وأبو أیّوب الأنصارى، وعندها یمكننا التأكید على أنّ مودّة أهل البیت (ع) وحبّهم دخل قلوب المصریّین فى الیوم الذى دخل فیها الإسلام، فقرنوا مع شهادتهم بأن لا إله إلّااللَّه محمد رسول اللَّه: ودّ آل محمد (ص) وحبّهم.

كلّ هذا قبل أن تستوثق الأُمور لأمیر المؤمنین على بن أبى طالب (ع)، ویتصدّى لخلافة المسلمین، ویؤكّد هذه الحقیقة التاریخیة ما نقله ابن الأثیر فى «الكامل» عن حوادث سنة 36 ه من أنّ مبعوث الإمام على (ع) إلى مصر دعا فى خطبته إلى مبایعته «فقام الناس فبایعوه واستقامت مصر، وبعث علیها عمّاله ...»، كما أورد المقریزى فى «خطط مصر»: أنّ قیس بن سعد الأنصارى بُعث على مصر، فدخلها مستهلّ ربیع الأول سنة سبع وثلاثین للهجرة، ومصر یومئذٍ من جیش على (ع).

وتوّجت أجواء الحبّ والودّ والولاء لآل بیت النبى (ص) بتعیین الإمام على (ع) محمد بن أبى بكر وقیس بن سعد على مصر، وهما خُلّص أصحابه والمحبّین لآل البیت (ع)،فكان لهم الدور الرائد فى تعریف شعب مصر بمقام أهل البیت (ع) وفضائلهم وفواضلهم، حتّى سرى حبّ آل البیت (ع) وودّهم فى عروقهم، وأشرق فى نفوسهم، وانفلقت معانیه السامیة فى عقولهم.

ولم یستطع الولاة والسلاطین الذین تعاقبوا على حكم مصر بعد استشهاد أمیر المؤمنین على (ع)، وخصوصاً فى عهد معاویة بن أبى سفیان تغییر عقائد مسلمى مصر وحبّهم وولائهم لأهل البیت (ع) رغم القتل والسجن والنفى للكثیر منهم؛ وذلك لعمق عقیدتهم بأهل البیت (ع)، ورسوخ حبّهم وودّهم لهم، وغایة ما استطاعوا فعله هو أنّهم حوّلوا أجهزة السلطة وجیشها إلى ولایة السلاطین، وصنعوا منهم أتباعاً لهم، یدورون معهم ما دارت معائشهم.

أمّا فى عهد بنى العباس، وبعد أن استتبّ لهم الحكم والسلطان، اشتدّوا بالتنكیل بالعلویّین وآل البیت (ع)، ممّا أدّى إلى بروز انتفاضات ونهضات علویة هنا وهناك، كان منها نهضة على بن محمد بن عبداللَّه- وهو من أحفاد الإمام الحسن المجتبى (ع)- وهو أول علوى دخل مصر فى تلك الحقبة الزمنیة وبویع فیها من قبل المسلمین، وكان له أثر كبیر فى إخراج محبّى أهل البیت (ع) وأتباعهم من عزلتهم التى ضربها علیهم بنو أُمیّة ومن بعدهم بنو العباس.

وتوالت انتفاضات العلویّین فى مصر، ورغم أنّها لم تستطع أن تحقّق هدفها فى إقامة حكومة موالیة لأهل البیت (ع)، إلّا أنّها عزّزت حالة الولاء والحبّ لأهل البیت (ع) عند أهل مصر.

وظهرت حركة تجدید الولاء والحبّ لأهل البیت (ع) مرّةً أُخرى فى مصر على ید الفاطمیّین، وقد أطلقوا على أنفسهم هذه التسمیة نسبةً إلى السیدة فاطمة الزهراء (س)؛ لاعتقادهم بأنّهم من ذرّیتها، وكان أول خلیفة فاطمى استولى على الاسكندریة عام (301 ه) هو عبیداللَّه المهدى المنتسب إلى محمد بن إسماعیل ابن الإمام جعفر الصادق (ع)، وأقام حكومة السلسلة الفاطمیة فى تونس عام (308 ه).

ثم امتدّ بحكومته إلى أجزاء من مصر، إلّاأنّ الأمیر المعزّ لدین اللَّه، هو أوّل خلیفة فاطمى یفلح فى بسط سیطرته على كلّ مصر، حیث فتحها عام (358 ه) وبنى مدینة القاهرة واتّخذها عاصمةً لمصر، وانتشر مذهب أهل البیت (ع) فى عهده، وأصبح الفقه الشیعى أساساً للشعائر والعبادات والمعاملات، وانتشرت فى عهده أیضاً محافل ذكر فضائل أهل البیت (ع) ومدائحهم، وأسّس الجامع الأزهر تیمّناً باسم فاطمة الزهراء (س)، بهدف تدریس علوم أهل البیت (ع) وفقههم.

وتوالى تأسیس مؤسّسات التعلیم والتربیة فى عهود الخلفاء الفاطمیّین، كان منها: دار الحكمة؛ لتتواصل الحركة العلمیة فى نشر معارف وعلوم مدرسة أهل البیت (ع) فى حواضر مصر وآفاقها.

وممّا تمیّزت به هذه المؤسّسات العلمیة- وخصوصاً الجامع الأزهر- هو عقد حلقات الدروس العلمیة، والحوار العلمى بین علماء مذهب أهل البیت وعلماء المذاهب الإسلامیة الأُخرى ؛ كعلماء الشافعیة والحنفیة والمالكیة وغیرهم.

وقد كان من الأمانى التى خالجتنى قبل أن أحطّ رحالى فى القاهرة أن أطّلع عن قربٍ على المراقد والمقامات الشریفة لآل البیت (ع) فى مصر، بهدف تحقیق طموحى لتألیف كتابٍ عن معالم أهل البیت (ع) فى مصر، إلّاأنّ هذه الأمانى- بعد الذى شاهدته- تحوّلت إلى ضرورة ملحّة أخذت علیّ جمیع مشاعری، فانبریت لهذا الأمر بعزیمة لا تنفسخ، خصوصاً وأنّ مثل هذا العمل الثقافى التاریخى سوف یصبّ فى إطار تعمیق العلاقات التاریخیة والثقافیة فى بُعدها الإسلامى الرسالى بین الشعبین المسلمین فى إیران ومصر؛ لتعید لحواضرهما ذلك التواصل والتكامل فى محور أهل البیت (ع) حبّاً وودّاً وولاءً، وعندها سوف تتلاشى الموانع التى صنعتها ید الاستكبار على أرضیة الجهل والعصبیة والوهم، فتجد جامعة الأزهر الشریف تعانق حوزة قم المقدّسة علماً ومعالم ومعارف ومنابر، وتجد مشاعر الحبّ والودّ والولاء لأهل البیت (ع) فى مصرتناغم نظائرها فى إیران ویحاكى أحدها الآخر؛ لیعكس حقیقة وحدة الكلمة فى أصل كلمة التوحید، وعندها سنجد أنّ العلاقات الأخویة الشاملة والراسخة لا ینقصها إلّاالعلاقة السیاسیة القائمة على وحدة الهدف الكبیر، والتواصل التاریخى الثقافى المشترك، والمصلحة الإسلامیة والإنسانیة المتبادلة.

والذى زاد فى ترسیخ فكرة تألیف كتاب، بل سلسلة كتبٍ عن معالم أهل البیت (ع) فى مصر، هو ملاحظتى الفاحصة لثلاث ظواهر أصیلة تشكّل مادّة المعالم الشاخصة لأهل البیت (ع)، ومدى حبّهم وودّهم فى أوساط مسلمى مصر، وهذه الظواهر هى:

الظاهرة الأُولى: ظاهرة الحبّ الشغوف والودّ العمیق فى الأوساط الشعبیة العامة، من خلال مجالس الذكر، ومناسبات الموالید والوفیات لأهل البیت (ع)، خصوصاً ذكرى سیدنا الحسین (ع) كما یعبّر المصریّون، والتى أخذت حالة شعائریة تقلیدیة، توارثتها الأجیال وتفاعلت معها، دون أن تؤثّر فیها سلباً التحوّلات العصریة المتواصلة.

الظاهرة الثانیة: ظاهرة الثقافة الولائیة لأهل البیت (ع) بین أوساط الكثیر من مثقفى مصر، سواء كانوا أزهریّین أم غیرهم، وانفتاحهم الموضوعى على مدرسة أهل البیت (ع) وعلومها وثقافتها خصوصاً فى القرن الأخیر، فهناك عشرات الكتّاب وعشرات الكتب، بحثت بعقلیة علمیة وقلمٍ واعٍ مسائل أهل البیت (ع) ومعالم مدرستهم الإصلاحیة، ولعلّ الحركة العلمیة والثقافیة التى كانت على عهد الدولة الفاطمیة كان لها الأثر الكبیر فى نشوء ودوام هذه الظاهرة، وقد أشار عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة فى مصر:

عبدالحلیم الجندى فى كتابه «الإمام الصادق» (ع) إلى ذلك قائلًا: «الإمام الصادق هو الإمام الوحید فى التاریخ الإسلامى، والعالم الوحید فى التاریخ العالمى الذى قامت على أُسس مبادئه الدینیة والفقهیة والاجتماعیة والاقتصادیة دول عظمى ، ومصر تذكر منها أكبر دولةٍ عرفها التاریخ فیها من عهد الفراعنة: الدولة الفاطمیة التى امتدّ سلطانها من المحیط الأطلسى إلى برزخ السویس، ولولا هزیمة جیوشها أمام الأتراك لخفقت أعلامها على جبال الهمالایا فى وسط آسیا»^[1] و^[2].

الظاهرة الثالثة: أنّ العدید من علماء الإسلام المصریّین- وخصوصاً كبار شخصیات جامعة الأزهر الشریف- لم یقتصروا على إبراز حبّهم وودّهم لأهل البیت (ع) فى محاضراتهم وخطبهم ومحافلهم العلمیة، بل نجدهم منفتحین بعقلیة طلّاب الحقّ على علوم مدرسة أهل البیت (ع) فى المطارحات والمناقشات العلمیة، ولعلّ أبرز مصادیق ذلك هو مطارحات إمام الأزهر الأكبر: العلّامة الشیخ عبدالحلیم البشرى مع العلّامة الحجّة الإمام السید عبدالحسین شرف الدین العاملى فیما اشتهر بعد ذلك ب «المراجعات».

وقد وفّقنى اللَّه سبحانه لأن أشرع بهذا العمل المهمّ، فقمت بجمع الكتب التاریخیة، قدیمها وحدیثها، التى ألّفها ونشرها كبار علماء الأزهر الشریف، والباحثون والمؤرّخون المصریّون، فاكتشفت أنّ جلّ هذه الكتب تظهر مدى حبّ أهل البیت (ع) وودّهم عند المصریّین بصفةٍ عامة، ولم یقف التنوّع المذهبى الفقهى عقبة أمام ذلك، بل كثیراً ما كان یكشف عن مدى القرب من أهل البیت سلام اللَّه علیهم ومدرستهم المباركة، وقد كرّر لى بعض كبار رجالات الدین والسیاسة فى مصر عند لقائى بهم مقولتهم عن علاقة أهل مصر بأهل البیت (ع)، وهى: «إنّ شعب مصر شیعى الهوى وسنّى المذهب»^[3]، وهكذا هو فعلًا فیما سمعناه ورأیناه.

وبعد تجمیعى لهذه الكتب التى بلغت العشرات، جاءتنى فكرة أُخرى ، وهى أن أعدّ كتاباً جامعاً أو سلسلة كتب متكاملة باللغة العربیة، یكون مخاطبوها كلّ الشیعة وغیر الشیعة، ومن ثم تترجم إلى اللغة الفارسیة والإنجلیزیة وإلى اللغات الحیّة الأُخرى .

وكانت باكورة هذه الجهد والسعى بدءاً هو هذا الكتاب الذى بین یدیكم، تحت عنوان:

«أهل البیت فى مصر» ویتضمّن مختارات ممّا كتبه بعض العلماء أساتذة الأزهر الشریف، أو بعض البارزین من الباحثین والمفكّرین المصریّین، حیث قمنا بتلخیصها وتنقیحها وتبویبها؛ لتكون المجموعة الأُولى من مشروعنا.

وجدیر بالذكر أنّ الكثیر من العلماء والمفكّرین الإسلامیّین والكتّاب المثقّفین كتبوا كثیراً عن أهل البیت (ع) عموماً، وفى مصر خصوصاً، منهم: الدكتور عبدالحلیم محمود (شیخ الأزهر الأسبق)، والشیخ محمد زكى إبراهیم (رائد العشیرة المحمدیة الراحل)، والشیخ أحمد حسن الباقورى (وزیر الأوقاف الأسبق)، والشیخ محمد أبو زهرة، والشیخ عبدالحلیم الجندى، والأُستاذ عبدالفتاح عبدالمقصود، والأُستاذ خالد محمد خالد، وعبدالرحمان الشرقاوى، والسیدة صافیناز كاظم، والأدیب عبدالحمید جودة السحّار، والأُستاذ حسن كامل الملطاوى، والأُستاذ عبدالعزیز سید الأهل، وعشرات غیرهم، وكلّ ذلك یدلّ بوضوح على موقع ومقام أهل البیت (ع) فى نفوس هذه الشریحة العلیا من العلماء والمفكّرین والكتّاب المصریّین.

ولا یفوتنى أن أُشیر إلى أنّ الضوء الذى سلّطته فى هذا الكتاب على مشاهد ومراقد أهل البیت (ع) فى مصر هو لمحة خاطفة، لا تستوعب كلّ ما فى الواقع، آملًا أن تتمّ الإحاطة المناسبة لها فى الكتب القادمة إن شاء اللَّه.

إنّ نشر هذا الكتاب باللغة العربیة أولًا- وبعدها باللغة الفارسیة والإنجلیزیة- وإن كان یعدّ جهداً متواضعاً فى حجمه، إلّاأنّه كبیر فى معناه ودلالاته، فهو خطوة إیجابیة مباركة على طریق التفاعل الإسلامى والتقارب المذهبى، ومفردة ثقافیة لتحقیق أرضیة التكامل والتحسین للعلاقات السیاسیة بین جمهوریة مصر العربیة والجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، الأمر الذى سیصبّ فى هدفه الكبیر المتمثّل بالتقریب بین المذاهب الإسلامیة، وبوحدة الأُمة الإسلامیة جمعاء، بقومیاتها المتنوّعة وأقطارها المتعدّدة.

وهذه المقولة تصدیق لما قاله أخى العزیز السید محمد خاتمى رئیس الجمهوریةالإسلامیة الإیرانیة فى مقابلته الصحفیة مؤخّراً، فى الردّ على سؤال مراسل وكالة أنباء الجمهوریة الإسلامیة بأنّ: «مصر وإیران ركیزتان أساسیّتان للحضارة الإسلامیة» وبلا أدنى شكّ إذا انطلقت هاتان الركیزتان كجناحین قویّین یمكنهما الطیران إلى أعلى القمم، وهو ما یخافه الأعداء، وهم فى كلّ یومٍ یواصلون السعى لخلق العقبات والمشاكل للحیلولة دون تحقّقه، ولكن بلا تردّد بإرادة الرجال وعزیمتهم یمكن التغلّب على هذه المشاكل، وتمهید الطریق لتطوّر جدید فى العلاقات بین البلدین الهامین فى العالم الإسلامى ^[4].

وسیقوم قریباً مركز البحوث الإسلامیة فى مدینة قم المقدسة فى ایران- الذى أسّسته منذ ربع قرن، ولازلت أشرف علیه- بطباعة ونشر هذا الكتاب باللغة الفارسیة، ومن ثم ترجمته إلى اللغات الحیّة الأُخرى ، وبذلك یمكننا وضع الكتاب فى متناول مسلمى العالم على اختلاف لغاتهم؛ لیعرف الجمیع أنّ قواسم مشتركة وأساسیة تجمعنا- شیعة وسنّة- فى وحدة ثقافیة تاریخیة شاملة، وروح معنویة إسلامیة واحدة، وأن لا عقبات تقف فى طریقها لتحقیق أفضل صور العلاقات السیاسیة الإسلامیة بین بلدانها، وفى مقدّمتها: إیران ومصر.

نودّ أن نشیر إلى أنّ الطبعة الأُولى لهذا الكتاب تمّ إصدارها فى 200 صفحة عن «دار الهدف» عام 1422 ه- القاهرة- وتضمّنت الطبعة الثانیة التى أصدرتها (مكتبة الشروق الدولیة) عام 1425 ه- 2004 م أكثر من 330 صفحة.

ونرى من الضرورى أن نعرب للسید المهندس عادل المعلّم مدیر هذه المؤسسة الموقّرة، عن فائق تقدیرنا للقیام بنشر هذا الكتاب التاریخى القیّم.

وختاماً أتضرّع إلى اللَّه سبحانه أن یجعل هذا الجهد المتواضع خالصاً لوجهه تعالى ، وأن یتقبّله منّى بأحسن القبول، ویحقّق الهدف السامى الذى قصدته من ورائه، إنّه سمیع مجیب، وهو على كلّ شى ء قدیر.

سید هادى الخسروشاهى

أرض الكنانة- القاهرة 1424 ه- 2003 م